الصحفي فيصل مطاوي لـ "المساء":

الإعلام الثقافي مهمش والإسراع في إحيائه ضروري

الإعلام الثقافي مهمش والإسراع في إحيائه ضروري
  • القراءات: 2363
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

في ظل التطورات الحاصلة في المجتمعات وأمام كل التحديات التي تواجهها بشكل يومي، تبقى الثقافة الضمان الأكيد لحمايتها ومساندتها في كل التغيرات التي تتعرض لها، وأمام هذا الدور المهم لها، ما هي مكانتها في وسائل الإعلام الوطنية بشتى أنواعها؟ هل لها المكانة المستحقة؟ أم أنها تعاني التهميش وحتى الاحتقار؟ هل الاهتمام بالثقافة في الإعلام قضية مجتمع ودولة؟ وما هي رهانات الإعلام الثقافي في الجزائر؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، اتصلت "المساء" بالصحفي المخضرم فيصل مطاوي، فكان هذا الحوار:

❊ ما تقييمك لواقع الإعلام الثقافي في الجزائر، وماذا عن رهاناته؟

❊❊ أعتقد أن الإعلام الثقافي في الجزائر، لم يجد حقه سواء في الصحافة المكتوبة أو الإذاعة أو حتى في التلفزيون، ويلاحظ أن الجرائد الوطنية لا تخصص مساحة للثقافة شبيهة بما تخصصه لكرة القدم، وأقول كرة القدم وليس الرياضة، لأن الكثير من الرياضات لا تجد لها أيضا فسحة في الصفحة الرياضية. وحينما يكون أيضا هناك إشهار إضافي، فإن أول قرار يتخذه رئيس التحرير يتمثل في حذف الصفحة الثقافية، رغم أنها تضم معلومات قد تفيد القراء أيّما إفادة، وحجته ربما أن هذه الصفحة هي مجرد إضافة للجريدة لا غير، نفس الشيء بالنسبة للقنوات التلفزيونية العمومية منها والخاصة، حتى أن نشرة الأخبار تخلو تقريبا من الأخبار الثقافية رغم بروز شبه اهتمام بهذا الأمر في المدة الأخيرة. كما أنه نادرا، حتى لا أقول لا نرى مخرجا سينمائيا يستضاف في نشرة الأخبار الرئيسية لقناة تلفزيونية بمناسبة صدور فيلمه الجديد، والأمر سيان بالنسبة للمخرج المسرحي والكاتب والفنان التشكيلي، وهو ما يحدث عادة في دول كثيرة، أما نحن فلا نملك، مع الأسف، هذا التقليد المهم، في المقابل الرهانات التي تنتظر الصحفيين العاملين بالأقسام الثقافية ترتكز بالدرجة الأولى على التخصص في المجالات المتنوعة للثقافة، إضافة إلى جودة أسلوب الكتابة، بدون أن أنسى أهمية أن يهتم الصحفي بما يحدث في كل القطر الجزائري ولا تقتصر كتاباته على ما يحدث في العاصمة فقط.

❊ أليس من الصعب أن يتخصص الصحفي في مجال ثقافي معين، باعتبار أن عدد الصحفيين في القسم الثقافي ضئيل مقارنة بالأقسام الأخرى؟

❊❊ صحيح، وهو ما تعاني منه الأقسام الثقافية لجميع وسائل الإعلام، لهذا من الصعب أن يتخصص الصحفي في مجال ثقافي معين، حيث يجد نفسه مجبرا على تغطية جميع النشاطات الثقافية، لكن هذا لن يمنعه من الميل إلى مجال محدد.

❊ يتم توجيه الصحفي المبتدئ إلى القسم الثقافي وبعد نضجه يحوّل إلى قسم آخر، ما تفسيرك؟

❊❊ صحيح أن معظم الصحفيين الذين يلتحقون بالصحافة يُوجهون في بادئ الأمر إلى القسم الثقافي، رغم أنني أجزم بأن القسم الثقافي هو أصعب قسم مقارنة بالأقسام الأخرى، لأن الصحافي في هذا القسم بحاجة إلى إلمام تام ليس بالموضوع الثقافي وحسب، بل بجميع المجالات الأخرى، فيجب أن يكون مثقفا بأتم معنى الكلمة وأن يهتم بشتى العلوم.

❊ ألا تعتقد أن هناك إنقاص من قيمة الصفحة الثقافية من معظم مسؤولي وسائل الإعلام، رغم أن القسم الثقافي لبعض الجرائد عرف توقيعات أسماء أدبية كبيرة، مثل مالك حداد وكاتب ياسين؟

❊❊ هناك في الجزائر مناخ عام يعادي الثقافة والفكر وحتى التفكير بحرية، ألا تلاحظين تهميش مواد في الجامعة مثل الفلسفة والأنثربولوجيا؟ كما أن هذا الجوّ يلقي ظلاله على الإعلام. وإذا كان الإعلام لا يغيّر الأوضاع ولا يوّجه المجتمع ولا يدعو إلى قراءة كتاب أو مشاهدة فيلم أو التذكير بعرض مسرحية، فمن يقوم بهذه المهمة؟ أعتقد أن هناك تقصير من هذا الجانب، حتى المسؤولين في بعض وسائل الإعلام لا يهتمون بالثقافة إلا نادرا، ولم أر طوال تغطيتي للنشاطات الثقافية سواء في العاصمة أو حتى في باقي مناطق الوطن، مسؤولا في الإعلام يحضر عرض فيلم جديد أو عملية بيع كتاب بالتوقيع، حتى أنني أرى نفس الوجوه الصحفية في تغطية فعاليات الصالون الدولي للكتاب مثلا. نعم هناك إهمال للصفحة الثقافية في الجزائر.

❊ حسبكم، ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا التهميش والتجاهل؟

❊❊— أعتقد أن هذا الأمر له علاقة بالنظام التربوي المطبق الذي يهمش الثقافة في المدارس، وأتساءل؛ أين هي النوادي الأدبية والمسرحية وغيرها في الجامعات مثلا؟ لهذا تكوّن لدينا جيل لا يهتم بالثقافة، كما أن  لهذا الأمر علاقة بالجماعات المحلية، مثل البلدية التي لا تهتم كثيرا بالثقافة حتى أن النشاط الثقافي فيها تلاشى، وقد يكون ذلك مرتبطا بالظروف السياسية والاجتماعية وقضية الهوية، ربما أيضا له علاقة بقصر النظر أو انعدامه فيما يتعلق بالبعد الاستراتيجي لدور الثقافة داخل وخارج البلد، فالكثير من المسؤولين لم يدركوا بعد دور الثقافة الدبلوماسية، ولا يعلمون أن المنافسة الكبيرة تقع على مستوى الملاحق الثقافية للسفارات.

❊ هناك أيضا ما يسمى بالثقافة السياحية، أليس كذلك؟

❊❊— بلى، الكثير من الأمور "نبيعها" للسائح الأجنبي، لكن ماذا عن تسويقنا لتراثنا من خلال كتب تتناول  آثار تيبازة وتيمقاد والجميلة وغيرها؟ نحن لا نكتب كثيرا عن آثارنا ولا أدري لماذا يُهمش علم الآثار بشكل عجيب، والسائح حينما يصل إلى مطار الجزائر يريد تصفح كتاب عن آثار معينة، لكنه لا يجد شيئا، فنحن لا نكتب عن تاريخنا القديم والحديث، فلا لوم على الآخر حينما يكتب تاريخنا.

❊ هل الصفحة الثقافية موّجهة للجميع أم أنها تقصد النخبة وحسب؟

—❊❊ قد توجه الصفحة الثقافية لجميع القراء، لكن هذا لا يمنعها من احترام اللغة والقواعد والكتابة بطريقة راقية، وعلى المجتمع أن يدرك بأن لا خلاص له من دون ثقافة، فلا يجب أن يهمشها حتى يتطور ويرتقي إلى مصاف أعلى.

❊ ماذا عن إسهامات الأدباء في الصفحة الثقافية، هل هي إضافة أم ضرورة؟

❊❊ إسهامات الأدباء في الصفحة الثقافية، مهمة جدا لكنها تعد على أصابع اليد الواحدة فيما يتعلق بالجرائد الوطنية، وأذكر مساهمة بوجدرة، أمين الزاوي، بقطاش، أزراج، السايح وآخرون، وأتساءل؛  لماذا لا يأخذ هؤلاء مواقفا تثير الجدل حول كتب ما مثلا؟ وأين الفلاسفة من الكتابات في الجرائد؟ أرى أنه من المهم أن يكتب الأدباء بشكل دائم وليس ظرفي.

❊ لنعرج على إسهامات الأساتذة الجامعيين في الجرائد، كيف تقيّمها؟

❊❊ أعتبر أن نسبة مساهمة الأساتذة الجامعيين في الكتابة الصحفية المتخصصة في الثقافة، شبه منعدمة، فهم في الغالب يهتمون بالكتابة الجيوسياسية وبما يحدث في سوريا واليمن والعراق، ربما يعود ذلك إلى ضعف العديد منهم في الجانب الثقافي، أي أنهم يعانون من تكوين ثقافي ضعيف، طبعا لا أتحامل على الأساتذة الجامعيين ولكن بعضهم لا يتحكم في مثل هذه الأمور، وفي هذا السياق، أريد أن أنوّه بالأستاذة الجامعية جميلة زقاي التي تكتب عن المسرح بشكل كبير، علاوة على اهتمامها الشديد بالفن الرابع، وهي من الأسماء النادرة الحضور في المشهد الثقافي.

❊ كثر الحديث عن أهمية تكوين الصحفي، فماذا عن نصيب الصحفي الثقافي في هذه المسألة؟

❊❊ من الواجب أن يتكون الصحفي ومنه صحفي القسم الثقافي، فلا فائدة ترجى من صحفي يكتب عن المسرح ولا يفرّق بين السينوغرافيا والإخراج المسرحي، أو أن يكتب في السينما ولا يفصل بين التركيب والإخراج ونفس الشيء بالنسبة للآداب والفنون الأخرى، فعليه أن يّلم بهذه الأمور حتى ولو كان في مهمة تغطية ندوة أو محاضرة، والحقيقة أنه يمكن للصحفي أن يُكوّن نفسه بنفسه من خلال الأنترنت والمطالعة، كما يجب حث المؤسسات الإعلامية على تكوين الصحفيين، وهو ما يعتبر حقا من حقوقهم.

❊ هل أنت مع الذين يعتبرون أن الصحافة الناطقة باللغة الفرنسية أكثر اهتماما بالثقافة من نظيرتها الناطقة باللغة العربية، ربما لأنها موجهة لجيل يتقن لغة موليير؟

❊❊ الصحافة الناطقة باللغة الفرنسية موجهة للجميع وليس لجيل واحد، وأذكر من بينهما عناوين: "الوطن"، "ليبرتي"، "ليكسبرسيون" و"لوسوار داليجيري"، وفي هذا السياق، لا أفهم مثلا إقصاء جريدة "لوكوتديان دورو"، للثقافة في صفحاتها. في المقابل، الصحف الناطقة باللغة العربية مثل "المساء"، "الشعب" و"الشروق"، تقوم بجهد كبير في هذا المجال باعتبار أنها تنشر صفحاتها الثقافية بشكل يومي، كما تقوم بإثارة بعض القضايا وإجراء حوارات مهمة.

❊ تشهد الساحة الثقافية ندرة في المجلات المتخصصة في الثقافة، ناهيك عن تلك التي غابت بعد حياة قصيرة، ماذا تقول في هذا؟

❊❊ يعود ذلك إلى مشكل آخر يتمثل في قدرتنا على تسويق السيارات والهواتف النقالة، بيد أننا لا نقوم بنفس المهمة في مجال الثقافة، حيث أن عملية "السبونسورينغ" هذه لا تمس القطاع الثقافي، لهذا يجب أن تتدخل الدولة في هذا الأمر وأن تساند المجلات المتخصصة، لأننا بحاجة إليها، وهي مادة بالنسبة للصحفيين والباحثين والطلبة، وأطالب أيضا باستثمار القطاع الخاص في هذا المجال، فهناك فراغ رهيب في هذا الشأن وأعطي مثالا عن مجلات أدبية مرموقة تصدر في الخليج، رغم أن نشاطهم الثقافي أقل غزارة من نشاطنا. 

❊ تحدثنا عن الثقافة كأنها حاضنة للفنون والآداب، لكنها في الحقيقة وعاء تصب فيه جميع العلوم، أليس كذلك؟

❊❊ هذا صحيح، فالثقافة أكبر من كونها جامعة للفنون والآداب، بل تضاف إليها كل العلوم، وأرى أن العلوم الإنسانية مهمة في الجزائر وأذكر على سبيل المثال الفلسفة والأنثربولوجيا، وهناك من يعتقد أن المجتمع يتطور بالعلوم التجريبية والتقنية، أما أنا فأقول بأن هوية الأمة وشخصيتها ومستقبلها يتحقق بالثقافة وحضورها في كل مجالات الحياة.