إشكالية تزيين المحيط بالعاصمة

فشل تسيير المساحات الخضراء بالأحياء السكنية

فشل تسيير المساحات الخضراء بالأحياء السكنية
  • القراءات: 5243
رشيد كعبوب رشيد كعبوب
بالرغم من استحداث مساحات خضراء بمحاور الطرق السريعة والأحياء الجديدة في العاصمة، بالمناطق الحضرية وشبه الحضرية والاعتناء بالحدائق العامة الموضوعة تحت تصرف المؤسسة الولائية "أوديفال"، فإن باقي الفضاءات بالأحياء الشعبية ومجمعات السكنات الفردية، خاصة الجماعية (العمارات)، لا تزال ترسم مشاهد النشاز والفوضى، وعدم الانسجام في المحيط، وهي إشكالية تتقاسمها الجماعات المحلية والمواطن، وهما الطرفان اللذان يرمي كل منهما الكرة إلى شباك الآخر، مما يتطلب مناقشة هذه الوضعية وإقحام مختلف الفاعلين في المحيط لتحديد المسؤوليات، وغرس ثقافة بيئية حقيقية بعيدا عن المبادرات المناسباتية والحملات الاستدراكية.
وقد لاحطنا من خلال جولتنا في بعض بلديات العاصمة، أن الاهتمام بالمحيط لم يرق بعدُ إلى المستوى المطلوب، خاصة بمجمعات السكنات الجماعية، لكن لا ننكر أن هناك وعيا بدأ "يتولد وينمو" في أذهان العديد من المواطنين، خاصة بأحياء السكنات الفردية التي دعمتها البلديات عن طريق غرس أشجار تزيينية، جعلت أغلبية المواطنين يولونها جانبا من الاهتمام والرعاية، حيث صاروا يطمحون للعيش في محيط نظيف وجميل، ويتأثرون بما يرونه في العالم بفضل تصفح الأنترنت التي صارت في متناول شريحة كبيرة من المجتمع.
وحسب بعض المواطنين الذين حاورناهم ببلدية باب الزوار، فإن الجهود التي تقوم بها مصالح البلدية أو مؤسسة "أوديفال" لا تكفي للحفاظ على هذه النباتات والأشجار التزينية التي تعتبر مواد هشة يمكن إفسادها بسهولة، بالتالي لا بد من حمايتها من أي اعتداء، بكل الطرق، بتفعيل سلطة الردع الغائبة في المدن، وفي هذا السياق، ذكر لنا "س. حسين" أستاذ يقطن بحي "عدل" في باب الزوار، أن تربية مواطن يحافظ على البيئة ويبلّغ عن المعتدين عليها، هو ما يجب الوصول إليه من خلال إشراك مختلف الأطراف، وعدم الاعتماد على بعض جمعيات الأحياء والحملات التحسيسية المناسباتية.

دواوين الترقية... غائبة عن الميدان

تتحمل دواوين الترقية والتسيير العقاري مسؤولية كبيرة - حسب بعض المواطنين- في الحفاظ على المحيط، مستغربين تنصل هذه الهيئة من مسؤولية الحفاظ على المساحات الخضراء، وحتى من تنظيف سلالم العمارات، ومحاولة رمي الكرة في شباك البلديات، أو تحميل السكان مصالح البلدية المسؤولية الكاملة، وهي في اعتقاد من تحدثنا إليهم، ضربٌ من التلاعب واستغلال جهل السكان في المطالبة بذلك.
ويرى "عمر. ب" القاطن بالكاليتوس أن الاعتناء بتزيين المحيط لم توله الدولة اهتماما كبيرا، بدليل أن الأحياء السكنية الجديدة التي يتم استحداثها لا تعمر بها المساحات الخضراء طويلا، والسبب هو التسيب وعدم الاهتمام بهذه الأملاك التي تعتبر أجزاء مشتركة في السكنات الجماعية، فالمواطن - يقول محدثنا- يفرح عندما يمكن ترحيله إلى سكن جديد وحي يتوفر على مساحات خضراء جميلة، لكن العديد من السكان لا يهتمون بذلك ويعتبرونه "ملكا مشاعا"، لا حسيب له ولا رقيب، بالتالي فإن مصيرها سيكون الإهمال.

أحياء "عدل"..... وضعية المحيط أشبه بحال المصاعد

لم تسلم أحياء السكنات التابعة لمؤسسة تحسين السكن وتطويره "عدل" من عدوى الإهمال، وقد لاحظت "المساء" مثلا بحي "عدل" ببلدية هراوة أن الاهتمام بالمساحات الخضراء، لم يجد من يهتم به، وصار مفروضا على حُجاب العمارات القيام بذلك، رغم أنه ليس من اختصاصهم، والزائر لهذا الحي الجديد الذي لم تمر عليه إلا أربع سنوات، يشاهد أن أجزاء من الفضاءات تم تشجيرها، لكن أخرى بقيت عرضة للحشائش والنباتات الطيفيلية، وكذلك الحال بالنسبة لحي "عدل" بالقبة وجسر قسنطينة وغيرها.
وقد دفعت هذه الوضعية مؤسسة تسيير سكنات "عدل"، حسب آخر الأخبار، إلى التعاقد مع مؤسسات تشغيل الشباب "أونساج" للاعتناء بالمصاعد والمساحات الخضراء والحفاظ على المحيط وتحسين الإطار المعيشي للسكان.

مؤسسة "أوديفال" تصنع التميز وتظهر العيوب

يظهر من خلال المساحات الخضراء التي تتكفل بها مصالح مؤسسة تطوير المساحات الخضراء لولاية الجزائر "أوديفال"، أن هذه النقاط سواء تمثلت في محاور الطريق السريعة، الحدائق والمساحات الخضراء، بقدر ما لفتت انتباه الناس ونالت إعجابهم، فإنها أبرزت جانبا شاحبا في نقاط مجاورة، وهو ما يستوجب على مصالح ولاية الجزائر التفكير فيه لإعادة التوازن البيئي والجمالي للمدن الحضرية بالخصوص، بإشراك الجميع في عملية التزيين التي أخذها على عاتقه والي الجزائر، السيد عبد القادر زوخ منذ تنصيبه، إلى جانب النظافة.
وحسب مدير المساحات الخضراء بمؤسسة "أوديفال" السيد يعقوب كمال، فإن الولاية تولي اهتماما كبيرا للمحيط، وأن الوالي كلف "أوديفال" بتسيير المساحات الخضراء بـ57 بلدية، إضافة إلى محاور الطرق السريعة التي ستتوسع إلى مشارف الولايات المجاورة مستقبلا، مؤكدا أن توسيع نقاط التسيير بـ29 بلدية شبه حضرية فرض على المؤسسة توظيف 608 عمال بالبلديات شبه الحضرية، و250 بالطرق السريعة، للاعتناء بالفضاء الأخضر واقتناء عتاد يتم الحصول عليه تدريجيا، وتحصلت على ميزانية للتجهيز بقيمة 341 مليون دينار خلال العام الماضي، منها 197 مليون ميزانية أولية و144 مليون ميزانية تكميلية.
وذكر لنا السيد يعقوب أن "أوديفال" تقوم في كل صيف بتحضير مخطط العمل السنوي، ويتم خلاله التطرق لكل الجوانب وجرد عدد المساحات الخضراء بكل البلديات سواء المستحدثة منها جراء عمليات الترحيل واستعادة الأوعية العقارية، أو إزالة أخرى جراء أشغال مشاريع إنجاز طرق الترامواي وتوسيع مسالك أخرى.
ورغم أن عملية توسع مهام "أوديفال" جاء دفعة واحدة، بأمر من والي العاصمة الذي يترجم حرص الدولة على تحسين وجه البلاد، إلا أن هذه المؤسسة منح لها الوالي "البطاقة الخضراء" في طلب ما تشاء من إمكانيات، وفي هذا الصدد أكد محدثنا قائلا: "الوالي منحنا كل ما طلبنا... ولنا الأفضلية"، مشيرا إلى أن عدد المساحات الخضراء في البلديات الحضرية تعادل 636 نقطة، بما يعادل 1.44 مليون متر مربع و234 نقطة بالبلديات شبه الحضرية، مقابل 422 ألف متر مربع من الأشجار، أما عدد الأشجار فيصل إلى 25696 شجرة، فيما يوجد على مستوى الطرق السريعة 6640 نخلة و45686 مترا مربعا من المساحات المعشوشبة، بالتالي فإن مهام "أوديفال" توسعت، حيث صار عدد المساحات الخضراء في العام الجاري 2015 في مجموع 57 بلدية يعادل 906، وارتفعت المساحات الخضراء إلى 1.909 ملايين متر مربع، بها 55949 شجرة، ويتوقع محدثنا أن خلال  سنة 2016 سيبقى التوسع مستمرا، جراء تهيئة الطرق وتدشين أحياء سكنية جديدة، حيث ستصل النقاط الخضراء إلى 1006 نقاط، وترتفع مساحتها إلى 2.548 مليون متر مربع، بها 58844 شجرة، في المقابل سيرتفع عدد العمال من 2315 عاملا إلى 2447، بزيادة 132 عاملا جديدا.
وأكد محدثنا بشأن تسيير المساحات الخضراء في الأحياء القديمة التابعة لدواوين الترقية والتسيير العقاري و"عدل"، أن المؤسسة لا تستطيع التكفل بمساحاتها الخضراء، لأن الإمكانيات الموجودة تكفي فقط لتسيير الفضاءات المقيدة في مخطط العمل السنوي بالمدن الحضرية وشبه الحضرية، ومحاور الطرق، رغم أن دواوين الترقية أرادت في وقت سابق إبرام اتفاقية عمل مع "أوديفال" لتسيير المساحات الخضراء، لكن لا يمكن التكفل به في هذا الوقت، مردفا أن "أوديفال" تقوم بعمليات استدراكية في إطار حملات لمساعدة البلديات على تزيين المحيط، ولم يخف المسؤول أن السياسة المستقبلية لولاية الجزائر تتجه نحو توسيع عملية التكفل بتسيير بطرق سريعة إضافية،  إلى جانب المحاور الموجودة؛ مطار الجزائر الدولي، تافورة، برج الكيفان وزرالدة، سيصل مشروع تزيين ضفاف الطرق بمداخل العاصمة إلى غاية حدود الولايات المجاورة؛ كالبليدة، بومرداس، وتيبازة.
ولمواجهة مثل هذه المهام الثقيلة، تقوم المؤسسة بدعم إنتاج النباتات، حيث تم دعم مشتلات العالية، باب الزوار، ابن عكنون، بوشاوي ومشتلة عصرية بمقاييس دولية 5 هكتارات "هجري أحمد - اسطاوالي، كما تسعى المؤسسة إلى جلب شاحنة متطورة مجهزة بجزازة عشب تستعمل في محاور الطرق لتخفيف تدخل العمال واستغلالهم في دعم المساحات الأخرى.

تحيين المخطط التنظيمي للمؤسسة لتحسين الأداء

ذكر السيد يعقوب أن مؤسسته اقترحت - بالنظر إلى توسيع مهام "أوديفال" - استحداث مصلحة للإعلام والاتصال، للقيام بعمليات التحسيس والتوعية وكل ما له صلة بالجانب التوعوي، وفصل مصلحة الإنتاج عن مصلحة تسيير المساحات الخضراء، وجعل كل منها دائرة مستقلة، إلى جانب استحداث دائرة التجهيز بعد فصلها عن دائرة الموارد البشرية والتجهيز، فضلا عن تخصيص دائرة للتجارة وفصلها عن المالية ... والمشروع في طريق المصادقة.