المخرج بن عمر بختي في ذمة اللّه

رحيل صانع روائع الزمن الجميل

رحيل صانع روائع  الزمن الجميل
  • القراءات: 1217
مريم. ن مريم. ن

توفي أمس بمستشفى عين طاية المخرج السينمائي الكبير بن عمر بختي إثر سكتة قلبية، ليتوافد بعدها أصدقاؤه وأقرباؤه لإلقاء النظرة الأخيرة عليه. وحضر من بين هؤلاء عز الدين ميهوبي وزير الثقافة، الذي قدّم تعازيه لأسرة الفقيد وأصدقائه الذين كانوا متواجدين بالمستشفى. وتسبّب هذا المصاب الجلل في فقدان الساحة الفنية الجزائرية أحد أعمدة صناعة الفن السابع ببلادنا، الذين كرّسوا قدراتهم لخدمة الفن، وحقّقوا بذلك شهرة لا نظير لها؛ حيث ظلّت أعمال الفقيد من روائع السينما والتلفزيون، وبقيت تراثا عالقا في ذاكرة الجزائريين. ويغادر بن عمر بعد أيام من رحيل صديقه السينمائي الكبير عمار العسكري، وهما اللذان شكّلا معا ومع كوكبة أخرى من المبدعين، جيلا حمل على عاتقه نهضة فنية وثقافية ممتدة إلى أجيال الغد.
بن عمر بختي الإنسان الهادئ والوقور الذي يتعامل مع الشهرة بتواضع شديد، يقدّر الفن ويعتبره رسالة وجمالا ومتعة يجب صيانتها من الرداءة والسطحية، حيث كان الراحل يمقت الوقوع في فخ التهريج واستغباء الجمهور الجزائري الذكي والذواق، كما ظلّ الراحل مرتبطا مهنيا بالتلفزيون الجزائري لمدة طويلة، قدّم فيها الكثير والكثير، منها مثلا تجاربه الهامة في مجال صناعة الكاميرا الخفية التي لا تهدف إلى الضحك على الناس، بل تسليتهم وإضحاكهم، وكان يحرص دائما في كلّ مناسبة على جانب التكوين؛ سواء في القطاع العمومي أو الخاص حتى نتجنّب الارتجالية والبرامج الفاشلة التي لا تستهوي الجمهور الجزائري وتجعله يفرّ إلى إنتاج الغير.

الراحل بن عمر بختي من مواليد تلمسان سنة 1941، درس السينما في المعهد العالي للدراسات السينمائية بباريس، واشتغل بعدها مساعدا في تلفزيون فرنسا، وعمل مع السينمائيين جان بول ساسي وكلود ليلوش. وعند عودته إلى الجزائر اشتغل بالإذاعة والتلفزيون الجزائري ليخرج عددا من الأفلام التلفزيونية، منها ”المجاهد” و"الخالدون”. كما اشتهر عند الجمهور بثلاثة أفلام طويلة، هي ”العودة” و"مقاومة الشيخ بوعمامة”، ثم رائعة ”الطاكسي المخفي” سنة 1989.اشتغل الراحل أيضا بالأفلام الوثائقية، وكان منها شريط أنجزه سنة 1973 خاص بآثار مدينة جميلة بولاية سطيف، الذي كتب نصه الشاعر الكبير مالك حداد. كما شارك  بفيلمه الوثائقي في تظاهرة ”تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية”، وتناول فيه التوأمة الثقافية، والتأثير والتأثّر الحاصل بين مدينتي تلمسان وبجاية من خلال الشخصيتين التاريخيتين سيدي بومدين وصلاح الدين الأيوبي، الذي فقد ذراعه في معركة حطين الشهيرة، وكذا كشف العلاقة بين بجاية وعاصمة الزيانيين، التي شهدت تصوير مشاهد هذا الفيلم، منها القصبة العتيقة.
أعمال أخرى للراحل لاتزال تشهد على مسيرته الحافلة ومكانته الثقيلة في تاريخ الثقافة الجزائرية بعد الاستقلال. ويظلّ الراحل بن عمر بختي حاضرا رغم غيابه، وهو الذي أطلّ مؤخّرا عبر قناة ”كنال ألجيري” ليروي مساره عبر أزيد من ساعتين بكلّ تواضع واحترام لجمهوره، الذي أحبّه وقدّم له إنتاجا مستمدا من هويته وتطلعاته.

مخرجون وممثلون يحيون موهبة الراحل

حيا مخرجون وممثلون أمس، القدرات المهنية للمخرج بن عمر بختي، الذي وافته المنية ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء بالعاصمة، عن عمر يناهز 74 عاما، مذكّرين بمشاريع الأفلام التي لم يتمكن الراحل من اتمامها.
وحيا الناقد السينمائي ومدير الإنتاج الأسبق بالمؤسسة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، أحمد بجاوي، مسارالفقيد معتبرا إيّاه بـ"الموهوب جدا”، وبأنه كان ”تقنيا ماهرا ومخرجا ملهما”.  وأشاد بجاوي -الذي كان منتجا لأول فيلم تلفزيوني للراحل (الكرمة)، وللفيلم التاريخي ”ملحمة الشيخ بوعمامة” (1983) بـ"المعرفة الواسعة للفقيد وثقافته العميقة وخصوصا الدينية منها”، مشيرا في هذا الصدد إلى فيلم بوعمامة وهو آخر فيلم له، والذي خصصه لأحد أهم شخصيات المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في القرن الـ19. واعتبر رجل المسرح عمر معروف، أن الراحل كان ”مخرجا متميزا ومهنيا أيضا”، مذكّرا بالأدوار التي أداها في بعض أفلامه التلفزيونية وخصوصا ”توباز” المقتبس من عمل للكاتب الفرنسي مارسيل بانيول. ورجع من جهته الممثل سعيد حلمي، إلى مسار ”صديقه” الراحل، متأسفا في نفس الوقت لكون هذا السينمائي الذي ”لم يفهمه الآخرون” لم يتمكن من إنهاء ”مشروع كبير كان سيشارك هو فيه” كما قال.
وكان بن عمر بختي، قد أعلن في 2012 عن الشروع في إخراج فيلم تاريخي حول المقاوم الحاج المقراني، بالإضافة لتصوير جزء ثان لفيلمه ”الطاكسي المخفي” الذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا. كما أراد الراحل إنجاز فيلم طويل آخر عن الأمير عبد القادر ”كان متحمسا له كثيرا” وفقا لأحمد بجاوي.
وأبدى من جهته المخرج أحمد راشدي، تأثره ”الكبير” لرحيل بن عمر بختي، متأسفا لكونه ”لم يتمكن من مواصلة مشواره في إخراج الأفلام التاريخية”، والذي بدأه بفيلم ”ملحمة الشيخ بوعمامة” الذي اعتبره ”المحاولة الأولى” في إخراج فيلم روائي تاريخي في تاريخ الفن السابع الجزائري. وقال مخرج ”الأفيون والعصا” إن الراحل ”حاول على مدار 20 سنة إخراج هذه المشاريع لكنه لم يتمكن ”ما جعله يصاب بـ"خيبة أمل” وخصوصا ”بسبب المصاعب التي لاقاها في تحقيق مشاريعه”.
وأشار إلى أن ”جيلا بأكمله من السينمائيين قد رحل بوفاة” بن عمر بختي، والتي تأتي أسابيع بعد وفاة عمار العسكري وسيد علي كويرات.