عندما ينقلب السّحر على السّاحر

عنصرية روتايو تدخل فرنسا في نفق مسدود

عنصرية روتايو تدخل فرنسا في نفق مسدود
  • 255
مليكة. خ مليكة. خ

لم يسبق لفرنسا أن عرفت فجوات متعلقة بالهوية والهجرة كالذي تشهده اليوم، بسبب الخطاب العدائي الذي كرّسه وزير الداخلية برونو روتايو، والذي لم يتوان في إيهام الرأي العام الفرنسي، بأن التطرّف وليد الإسلام، في حين يعمل على قدم وساق من أجل الترويج لأفكاره العنصرية التي تستهدف المسلمين وإثارة المشاكل مع الجزائر منذ توليه المنصب لتبرير إخفاقاته التي أدخلت بلاده في نفق مسدود. 

"انقلب السّحر على السّاحر" هذه العبارة تنطبق على الوزير روتايو، الذي انتفض عليه الشارع الفرنسي باحتجاجات ومسيرات عارمة عرفتها العديد من المدن الفرنسية، والتي تعبّر عن  غضب المواطنين الفرنسيين لسياسة هذا اليميني المتطرّف الذي يحاول استعمال أوراق كالهجرة والدين كجسر من أجل استحقاقات انتخابية قادمة.

ورغم أن روتايو، يسعى لجعل الجزائر كشمّاعة لتعليق فشله السياسي، إلا أن الإجراءات التي أقرّها على مستوى الاجتماعي أبانت عن عدم كفاءته في إدارة الأزمات التي تعيشها باريس، والتي انعكست على محيطها الخارجي ما جعل فرنسا تعيش انعزالا غير مسبوق مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى التي انتهجت رؤية براغماتية في علاقاتها مع بقية الدول.

فاستغلال ورقة العداء للجزائر ليس جديدا، بل هو جزء من سياسة ممنهجة دأبت عليها بعض الأوساط  اليمينية المتطرّفة، والتي ترفض تقبّل حقيقة التحوّلات الجيوسياسية، فضلا عن عجزها عن فرض رؤيتها القديمة على المشهد الدولي، وذلك في الوقت الذي كشفت فيه هذه الأزمة أن الجزائر ليست الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، بل أثبتت قدرتها على فرض توازن دبلوماسي يحبط محاولات الإملاء السياسي، كما أن باريس المدفوعة بمناخ سياسي داخلي مضطرب تحاول توظيف ملفات لفرض أجندتها الدبلوماسية، وهو ما ظهر جليا في تهديدات وزراء الحكومة المحسوبين على اليمين المتطرّف والذين لوحوا باتخاذ ما أسموه "إجراءات رد" تشمل مساعدات تنموية مزعومة، في موقف يعكس العقلية التي تحكم بعض الدوائر السياسية في باريس.

في الوقت الذي كان يفترض فيه على روتايو، استقطاب الوعاء الانتخابي لصالحه في ظل العدد المعتبر للجالية الأجنبية في فرنسا، بدا الغباء السياسي لهذا اليميني جليا في تعامله مع الوضع، خاصة وأنه كان يراهن على تفكيك النّسيج الاجتماعي الفرنسي عبر خطاباته العنصرية في محاولة لاستعادة مجد الامبراطورية الاستعمارية التي أصبحت اليوم،  تحصد تبعات سياستها الإجرامية في مستعمراتها السابقة، غير أن الشارع الفرنسي تفطّن لسياسة وزير داخليته، خاصة عندما حاول المساس بجيوب المواطنين من خلال قوانين مجحفة انعكست سلبا على الواقع المعيشي في فرنسا، في حين يحاول روتايو، إخفاء إخفاقاته بإلقاء اللوم على المهاجرين وبث أفكاره العنصرية ضدهم، ولا أدل على ذلك تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا وفق تقارير رسمية لوزارة الداخلية الفرنسية التي سجلت في 2023، وحدها 242 حالة عداء ضد المسلمين ويعد ذلك من أعلى الأرقام في دولة أوروبية.

وعليه، فقد استفزت هذه الظاهرة موجة إدانات واسعة من مسؤولين حكوميين وشخصيات عامة، كونها لا تتوقف عند خطابات الكراهية أو التعصّب الديني، بل تحولت إلى الاعتداء الجسدي الذي يصل إلى حد القتل أحيانا، فضلا عن إصدار الحكومات الفرنسية المتعاقبة قوانين تستهدف المسلمين بالخصوص.